الثلاثاء، 31 يناير 2012

متلازمة (القراءة و التجربة و المعرفة)

حينما تتوغل عقولنا في التأمل لما يحيط بنا من حياة متباينة في كل أشكالها وألوانها,
تدخل دون شعور منها في عالم أوسع ومتشعب!
وتبدأ مرحلتها الأولى بالتعجب لكل ما يصادفها من أنماط الحياة.
يتعجب هذا العقل كيف أن ذرة رمل صغيرة تحمل بداخلها حياة لكون بأكمله!
وكيف أن كل حركة وكل سكنة تحيط بنا ماهي إلا أنماط أخرى للحياة على هذه الأرض!
ومع تكرار التأمل وتعمقه تبدأ مدارك عقولنا بالتوسع في معرفة قدرة خالق هذا الكون,
وعظمة صنعه التي نراها كل لحظة!
كذلك هي تماما المعرفة, تحتاج لتأمل متأن و إدراك حكيم كي تتشربها عقولنا وتنفتح لها الأبواب المغلقة!
والمعرفة نحصل عليها من شيئين أساسين: القراءة و التجارب العملية في واقع الحياة!
فالقراءة روح المعرفة وسر عظيم لقطاف ثمارها,
فحينما نقرأ نغذي عروق المعرفة في عقولنا وتبدأ تضخ دماء لحياة جديدة تروي بها موات معلوماتنا,
وبالقراءة يتضخم هذا العقل الصغير بأفكار نيرة قد يشرق بها مستقبل أمة بأسرها!
:
الكثير منا يتكاسل عن القراءة
بل قد يهجرها وهذا ما يؤدي إلى يباس معرفتنا ونقص إدراكنا في مجابهة الحياة
التي وهبها الله لنا لنعمرها!
ولو تأملنا لوجدنا أن الله العليم قد بدأ مخاطبته لنبيه بـ (إقرأ)
وفي هذا إشارة عظيمة لنا كي ننتبه لأهمية القراءة,
حتى القرآن لا نستطيع فهمه أو التلذذ بجمال معانيه
ولا حتى جني علومه الوافرة إلا إذا قرأناه بتمعن و وعي!
إذن ليس كل قراءة طريق مؤدي إلى أسرار المعرفة,
بل تلك القراءة الثاقبة لعمق المعنى والمدركة للب المعلومة!
والمعرفة منبع من معلومات زاخرة_ في شتى المجالات وفي نطاق كوني نحن نعيشه_
لا ينضب أبدا ولكن ليس كل إنسان منا قادر على الإرتواء منه
مالم يستعين بالقراءة الواعية لتجري منابع المعرفة بين يدي عقله!
والقراءة فعل لذيذ للعقل لو تأملناه,
لأنه يشاغب إدراكه وآليات فهمه حتى يستقطب المعلومة التي يقرؤها
و يحفظها في صناديق سيحتاجها في حيوات قادمة له!
وبالإضافة إلى ذلك فإن القراءة تحرث أرض عقولنا
وتنبت في خلاياه الحافظة ثمار معرفة مختلفة ألوانها وأنواعها,
يحصدها كلما احتاجها في محطات حياته!
المعرفة شيء قيم لا يأتي إلينا ولا يمكن اكتسابه بدون سعي له وانتقاء حكيم,
فليس كل معرفة ذات قيمة لنا!
لذا كلما تفرعت أنواع المعرفة كلما كبر ونضج إدراكنا بهذا الكون أجمع.
:
والفعل يأتي بعد الإطلاع,
فلا فعل نجني نتيجة منه إن لم يكن عن وعي وتقدير سليم,
لذلك كانت التجربة العملية شيئ أساسي يكسبنا المعرفة التي نحتاجها.


التجربة تنحت في جدران عقولنا الإيمان الراسخ بما عرفناه وقرأناه ذات تأمل,
ولايمكن لجزيئيات عقولنا أن تتشعب في إدراكها إن لم رافق معرفتها تجربة
محسوسة تكشف ستور الخفايا في معرفة تشربنا بها!
والتجربة كما يقال(خير برهان)
لأننا حينما نغوص في بحار التجارب الحياتية نستطيع
أن نفند لؤلؤ المعرفة, و " نشخل" من معرفتنا ما ليس منها ولا يجدي نفعا اختزانه
في ذاكرة قد نحتاجها في مستقبل ما!
ومن الخطأ أن نكتفي بالمعرفة عن طريق القراءة فقط,
والعكس صحيح
لأن المعرفة فضاءات لا نستطيع الوصول لنهايتها,
فكل أمر في هذه الحياة يتناسل منه ألف ابن من المعلومات!
والتجربة تعطينا من العلوم ما قد تعجز القراءة عن فعله!
حيث أننا نعيش المعرفة واقعا نابضا بالحياة في تجربتنا لها.
نسقي خلايا ادراكنا من ماء الكون الذي نعيشه قطرة قطرة
ونروي يباس فكرنا من مطر المعرفة/القراءة/التجربة!
لذا آمنت يقينا أن هذه المتلازمة (قراءة + تجربة = معرفة) كل لا يتجزأ,
فلا يمكن أن نكسب واحدة دون المرور على الأخرى!
وكما ذكرت آنفا,
ليس كل ما نختزنه في حافظتنا يعتبر معرفة,
فلكل شيء قيمته, لذا يجب أن نفصل بين معرفتنا التي نستمدها من البحث
والتي تبنينا لمستقبل/حياة أرقى
وبين معرفة تسبب فقط ازدحام في الذاكرة!
:
الإنسان صديق عقله,
يعرف كيف يستخلص صنوف المعارف وكيف يعجنها ويخبزها في ذاكرته
و يأكل منها حين يشتد جوع إدراكه في لحظة ما!
كما أنه يعلم أنه بوسعه أن يقتل إدراكه
إن طوق عنق معرفته و وأد كل شيء من شأنه أن يرقى بفكره,
وبذلك لا محاله قد قاد نفسه إلى جهل و عمى فكريا!
إذن الإطلاع والقراءة حين ننفخ روحها في جسد التجربة
نخلق معرفة بحياة جديدة!
/
/
دامت عقولنا زاخرة بمعرفة لا تنضب!
:

الثلاثاء، 10 يناير 2012

الـ حُب . . في بِيُوتنا !

*الحب سر الله الذي يتفجر بالمعاني كل يوم .. وفي سره لمحة من قدرة الإله القوي اللطيف ..
وهو وحده من يملك هذا السر
( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ) ..
*آيات الحب/محمد إلهامي


والحب هو روح الشعور.. ولب العلاقات الإنسانية..
وأساس التواصل على مر العصور..
كيف لا..وقد قال الله في محكم تنزيله
"فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" [المائدة:54]...
فكان الحب الإلهي بين رب القلوب والعباد..
هو سر التواصل الروحي بين العبد وربه..
والحب فطرة ..وهبنا إياها الرحمن ..وقذفها في قلوبنا..
فكان هنالك حب الزوج لزوجه..والآباء لأبناهم..
وحب الأخوة..وحب الأصدقاء..
وغيره من الحب الذي يحتاج إليه كل مخلوق بشري على هذا الكون..
مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم..
فهو كالطاقة التي تدب في الجسد البشري..
وتجعله أكثر نشاطا وإنتاجا..
واستجابته للحياة أسرع وأكبر.


* والبيت هو المركز الأساسي لتكوين أو زرع الحب في قلوب الأبناء
اللذين سيكونون دعامة وأساس المجتمع فيما بعد..
لذا كثر الحث على ضرورة إحتواء الآباء لأبناءهم عاطفيا..
فمتى ما وجد الحب في المنزل كان ذلك كواق ٍ للأبناء
ولكافة أفراد الأسرة من شبح الحب الزائف الذي يلجأ له أبناءنا
بعد أن يفقدوا الحب الصادق في منازلهم.
والحقيقة تقول بأن الحب موجود في المنزل..
فلايوجد أب أو أم لا يحبون أبناءهم..
ولكن المفقود هو التعبير العاطفي لهذا الحب..
التعبير هنا أقصده..
الفعل الذي يبث مكنونات المشاعر إتجاه من نحب..
فكيف سنفرغ المشاعر المكبوتة في قلوب أبناءنا المراهقين
إن لم نسمح لهم بالتعبير عنها لنا نحن الأباء..
وكيف نشبع عاطفتهم إن لم نزودهم بجرعات من الكلام العاطفي
الحنون الذي..يبث الطمأنينة في قلوبهم!!


والعجب كل العجب من تلك القلوب القاسية إتجاه فلذات أكبادها..
فنجد الأب يتعامل مع ولده الذكر بكل خشونة وقسوة
ظنا منه أنه يصقل رجولته هكذا..
وهو لا يدري بأن أبنه يحتاج لحبه وحنانه أكثر من قسوته..
والعجب من تلك الأم التي كانت من المفترض أن تكون منبعا للحنان في المنزل..
فتتحول بجهلها إلى منبعا من الرعب في عيون أولادها..
تعنف هذا وتقسوا على تلك..
وفي كلا الحالات ماذا تكون النتيجة سوى
ضياع الحب الصادق بين أفراد الأسرة..
والتشتت العاطفي لدى الأبناء..
ومن المعلوم أن السبب الرئيسي لإنحراف الأبناء
وإتجاههم إلى العلاقات المحرمة هو غياب الحب في بيوتهم..
فنجدهم يشعرون بفقد عاطفي
أو بالأصح يشعرون بالجوع العاطفي في منازلهم
سواء من والديهم أو اخوتهم..
فيلهثون باحثيين ليشبعوا عاطفتهم من أي مصدر كان!
ومتى ما صادفهم من يوهمهم بهذا الحب يسلمونه أنفسهم بلا تردد
ظنا منهم أنهم وجدوا ظالتهم معه!
فيقتاتون من الحب الزائف..
وتضيع كل المفاهيم الصادقة في زخم هذه المعمعة الكاذبة..
وبعد فوات الأوان نكتشف بأننا كنا السبب في ضياع أبناءنا..
كيف لا والحب هو العنصر الأساسي لنجاح أي علاقة!


ويقول د. ميسرة :* أنصح الآباء و الأمهات أن يكثروا من قضايا اللمس .
ليس من الحكمة إذا أتى الأب ليحدث ابنه أن يكون وهو على كرسين متقابلين ،
يُفضل أن يكون بجانبه وأن تكون يد الأب على كتف ابنه
(اليد اليمنى على الكتف الأيمن) .
ثم ذكر الدكتور طريقة استقبال النبي لمحدثه فيقول :
{ كان النبي صلى الله عليه وسلم يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه
على فخذيْ محدثه ويقبل عليه بكله } .
وقد ثبت الآن أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود
وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات .
فإذا أردتُ أن أحدث ابني أو أنصحه فلا نجلس في مكانين متباعدين ..
لأنه إذا جلستُ في مكان بعيد عنه
فإني سأضطر لرفع صوتي ورفعة الصوت ستنفره مني ]
وأربتُ على المنطقة التي فوق الركبة مباشرة
إذا كان الولد ذكراً أمّا إذا كانت أنثى فأربتُ على كتفها ،
وأمسك يدها بحنان .
ويضع الأب رأس ابنه على كتفه ليحس بالقرب
و الأمن والرحمة ،ويقول الأب أنا معك أنا سأغفر لك ما أخطأتَ فيه*



وقد قبّل الرسول عليه الصلاة والسلام أحد سبطيه
إمّا الحسن أو الحسين فرآه الأقرع بن حابس فقال :
أتقبلون صبيانكم ؟!!
والله إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم !!
فقال له رسول الله أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك!



نستدل من هذه الحادثة أن ديننا الحنيف يحث كثيرا على تبادل الحب بين أفراد المنزل..
والتعبير عنه بشتى أنواع الطرق..
لأنه السياج الذي سيحيط المنزل من الضياع الموبوء بدعوى الحب!



ولنتأمل قوله تعالى:
"..وجعل بينكم مودةً ورحمه ان فى ذلك آيات لقوم يتذكرون " ------------ سورة الروم آيه 21
إذن الحب والمودة هي فطرة وهبها الله لنا
لتكون روح الترابط بيننا..وبين أبناءنا..
وهنالك الكثير الكثير من الآيات والأحاديث التي لا يتسع المقام لذكرها هنا..
تحث على ضرورة وجود الحب وإشباع الأبناء منه..


وختاما..متى ما وجد الحب في بيوتنا..
سعدنا وكانت الحياة أكثر إشراقا..
ومتى ما غاب عنه..
كان ذلك سببا للضياع والتشرد الأسري..
وأخيرا:
"اللهم اجعل بيتنا واحة حب ووئام".